يبدو أن هناك ثأرا قديما بين جمهور الجيش الملكي وجمهور الوداد والرجاء، لذلك حضروا بقوة إلى المركب الرياضي مولاي عبد الله ليس بغرض مشاهدة مباراة في كرة القدم، وإنما للانتقام من البيضاويين دون تمييز، حاملين معهم الهراوات وشفرات الحلاقة والسكاكين.
أي شخص يجهل هذا المعطى كان سيظن أن المقابلة تجمع بين ثلاثة فرق، وبالتالي ثلاثة أنواع من المشجعين، لكن هذا لا يحصل عادة، ولا يمكن أن يدخل لاعبو الجيش والوداد والرجاء إلى ملعب واحد، مع العلم أن الجيش أجرى مقابلته يوم الجمعة وكان على جمهوره أن يخلد إلى الراحة، بدل تحمل عناء حضور مواجهة لا تعنيه كثيرا.
كان جمهور «الفار» يستعد لديربي من نوع آخر، في ملعب كبير يوجد خارج المركب الرياضي مولاي عبد الله، وكان يبحث عن ضحاياه ليعتدي عليهم ويسرقهم، كما حدث لمشجع ودادي تعرض لهجوم شنيع، وترك مرميا على الأرض والدماء تنزف منه، بعد أن قطعوا ملابسه ونزعوا سرواله.
من جهة أخرى كانت نسبة كبيرة من الجمهور القادم من الدار البيضاء وسلا والرباط عبارة عن أطفال صغار يتدرب الجميع على ضربهم وصفعهم، حتى من لم يضرب شخصا طيلة حياته يجد الفرصة سانحة لممارسة هذه الهواية، بدءا من جباة الحافلات الذين يستعينون بأشخاص غلاظ شداد يشتغلون معهم في شركات حافلات النقل مهمتهم الرئيسية هي لكم وشد الصغار من ياقاتهم والتطويح بهم لأنهم لم يؤدوا ثمن التذكرة وحاولوا الركوب مجانا، وصولا إلى عناصر القوات المساعدة الذين ينتقمون من الأطفال ويحتجون بهذه الطريقة على وقوفهم ليوم كامل عرضة للشمس والبرد، فيكفي أن يمر طفل من أمامهم حتى يضربوه بهراواتهم دون سبب يذكر، كما لو أنهم كانوا يطلبون منه أن يطير في السماء كي لا يخل بالأمن العام، وعوض ذلك يتركون المشاغبين الحقيقيين يصولون ويجولون دون أن يردعوهم في مشهد يدعو إلى الدهشة، حتى أن أحد عناصر القوات المساعدة اكتشف لعبة مسلية، بأن كان يرسل هراوته السوداء اللامعة في حركة لولبية لتخطف قدمي الطفل الصغير، منتظرا أن تعود إليه بعد أن أدت مهمتها مثل لعبة «الفريزبي» التي كانت تمارس في الشواطئ، إلا أن الهراوة لم تكن تعود إلى صاحبها، الذي يضطر للجري كي يسترجعها من تحت الطفل الجاثم على الأرض من شدة الألم الذي أصاب رجليه.
شخصيا، وبعد أن انطلق الديربي بين الرجاء والوداد وجدتني بالصدفة في مكان خطير خلف السبورة الإلكترونية تماما مع جمهور الرجاء البيضاوي، في موقع مقدس يسمى«المكانا» أي الساعة، ولا يقترب منه إلا الضالعون في عشق الفريق الأخضر والمتعصبون له، كما يوجد فيه أشخاص معروفون لدى الجميع بحضورهم كل المباريات والذهاب مع الرجاء إلى كل المدن.
رغم أني لم أكن أحفظ الشعارات التي ينشدها الجمهور الرجاوي بشكل جميل، فقد كنت أحرك شفتي مثل تلميذ كسول وأتظاهر بأني أحفظها عن ظهر قلب، كما كنت أشارك في رفع يدي لإنجاح حركة الموجة التي تتم بشكل جماعي في منظر أخاذ، وكنت أيضا أخبط بقدمي لإحداث زلزال في المدرجات كما يفعل جمهور الرجاء تماما، كل هذا كي لا يشك أحد في انتمائي ويقول إنه ودادي أو من الجيش الملكي وينقضوا علي وأتلقى منهم علقة قد تقضي علي. لكني رغم ذلك كنت في ورطة، أنا الذي لم أعد أعرف الشيء الكثير عن فريق الرجاء والوداد، وحين شاهدت المدرب الأرجنتيني أوسكار في كرسي احتياط الوداد اختلط علي الحابل بالنابل، وظننت أنني مصاب بالحول، ففي آخر مباراة شاهدتها للرجاء البيضاوي كان أوسكار هذا يدرب الرجاء، وكنت أسمع الصحافة تصفه بالداهية وألقاب أخرى، لأجده الآن مع الوداد يدربهم دون أن يرف له جفن، فاقتنعت أنه داهية حقا وأشياء أخرى، وأنه علي أن أجلس وأتفرج دون تفلسف في أمور لا أفهم فيها كثيرا.
وكلما ضرب لاعب رجاوي الكرة واصطدمت بالعارضة كنت أمسك مثل الجمهور برأسي وأجهد نفسي في إبداء الأسف وأتحدث معهم في أمور سوء الطالع الذي يقف ضدنا، كل هذا كي يطمئنوا إلي، أما عندما سجل اللاعب الإفريقي الذي لا أعرف اسمه الهدف فقد ارتميت في أحضان كل الرجاويين وتطايرت فرحا ونشوة، وداسوا قدمي وكادوا يسقطونني أرضا في هستيريا جماعية أصابتني أنا بدوري دون أن أشعر، فمن الصعوبة بمكان ألا تعبر عن فرحتك بعد تسجيل الهدف، وإلا اتهموك بأنك مندس. الرجاويون لطفاء، رغم أنهم فطنوا إلى أني مشجع مزيف ولست رجاويا قحا، فقد طلبوا مني أن أذكر في تغطيتي الصحفية جمهور «السالمية»، وشكروا «جورنان» رشيد نيني، وأثناء ذلك كانوا «يفتخون» لفافة حشيش وينتشون بالهدف الذي سجلوه.
تغطية شاملة للديربي في الصفحة الرياضة.